مثّل نجاح الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 مؤشراً على تنامي نفوذ ظاهرة الإسلام السياسي في المنطقة العربية، ووصول أحد تنويعاتها إلى الحكم.
أقلق هذا النجاح الليبراليين العرب الذين رأوا فيه حلقة من حلقات مسلسل انتشار الإخوان المسلمين على كراسي حكم الدول العربية، ما يعني أن “الربيع العربي” في طريقه نحو أن يكون “ربيعاً إخوانياً” (وأقلق غيرهم أيضاً وخاصة أنظمة وراثية، ولكن لأسباب أخرى على رأسها الخوف على عروشها).
كان مسار الأمور هذا منطقياً في دول مستبدّة فرّغت الحياة السياسية من مضامينها ولم تنجح فيها أية قوة سياسية في الاستمرار إلا الإخوان الذين مزجوا بين العمل الدعوي والنشاط الأهلي.
تحمّل الإخوان المسلمون أكثر من غيرهم ضربات الأنظمة القمعية بدون إعلان الاستسلام النهائي، وهذا مما يُحسَب لهم. ولكن لم يكن صبرهم على القمع السبب الوحيد لاستمرارهم. لا يمكن قراءة المشهد بدون الأخذ بالاعتبار أنهم، بعكس غيرهم، كانوا قادرين على “التنفّس” بين حين وآخر أثناء هُدن كثيرة عقدت في فترات مختلفة من العقود الماضية بينهم وبين الأنظمة وسمحت لهم بتجديد الدماء في عروقهم، على حساب قوى أخرى وخاصة اليسارية منها، وكانت عناوينها زواجات مصلحة بينهم وبين “العسكر” أو بينهم وبين أنظمة قمعية أخرى تختلف توصيفاتها بحسب البلدان.
ولكن ربما من أهم العوامل التي ساعدت على استمرار حضورهم في المشهد العام بقوة هو العامل الإيديولوجي. ففي حين “ماتت” إيديولوجيات الخصوم السياسيين، كانت أفكارهم حول فهم الدين، وضمناً علاقته بالسياسة، هي الأكثر حضوراً، لأن لا أحد غيرهم نجح في بناء سردية نظرية قابلة للتسويق الشعبي ويمكن أن تحلّ محلّ التديّن الشعبي الذي كان سائداً في المنطقة طوال قرون، في ظل فشل المؤسسات الدينية الرسمية في أكثر من “التطبيل” للسلطان على جاري عادتها.
من هنا، كان وصول مرسي إلى الحكم في مصر مؤشراً على السير نحو تثبيت فهم معيّن للدين لعقود، بينما نحن في أمس الحاجة إلى البحث عن أفهام جديدة له.
مرسي في زمن الإخوان
ملاحظات كثيرة يمكن تسجيلها على حكم الإخوان لمصر، ومرسي ودوره وممارساته ضمناً. على المستوى الأعلى، أرادت الجماعة تنصيب شخص غير منتخَب (نائب المرشد العام خيرت الشاطر) حاكماً من تحت الطاولة، ما يضرب أساس الديمقراطية وهو آلية الانتخاب.
ومرسي لم يكن يمتلك شخصية القائد القادر على عدم الانقياد لصقور جماعته. طبعاً، ظاهرة تأثير الحزب وقياداته على المسؤولين ظاهرة عالمية لن تتوقف ولكن يمكن في معظم الحالات تمييز شخصية المسؤول المنتخب وتمييز التأثيرات عليها.
ولكن في حالة مرسي، كانت الأمور متداخلة ومائعة إلى حد لا يطاق، وكأنه قيادي من الصف الثاني، وواجهة لكيان لا نعرف شيئاً عما يدور في كواليسه. أساساً هو كان خيار الجماعة الثاني في الانتخابات الرئاسية، بعد رفض “اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات” طلب ترشح الشاطر بسبب إدانته سابقاً بجناية.
حسني مبارك وعسكر مصر: غاب الرجل وبقي النموذج لعل في طليعة مفارقات حياة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (1928ـ 2020) أنه عاش ليشهد بأم عينيه انتكاسة الانتفاضة الشعبية العارمة التي أجبرته…