أبريل 08, 2016 Al Fanar أخبار رئيسية, الشرق الأوسط, المركز الاقليمي للدراسات الاستراتجية, المغرب العربي, مقالات 0
تصاعدت بعضُ التهديدات الأمنية المرتبطة ببعض العناصر البدوية في دول الإقليم في الآونة الأخيرة، على نحو يهدد أمنها واستقرارها، بدرجات متفاوتة، يتمثل أهمها في تسهيل عمليات تهريب الأسلحة، والمخدرات، والبضائع، والاتجار بالبشر، ودعم التطرف، والانخراط في عمليات الإرهاب، وممارسة الأنشطة الإجرامية، واختراق الحدود الفاصلة بين الدول؛ إلا أن هذه الممارسات ترتبط بمعاناة البدو من عدة معضلات تتعلق بالاغتراب الاجتماعي في دول الإقليم التي يتمثل أهمها في عدم تمتعهم بحقوق المواطنة، والشعور بالتهميش الاجتماعي، والاستهداف الأمني، والحرمان من الملكية، مما قد يدفع بعضهم للمشاركة في الممارسات سالفة الذكر، وهو ما يتعين على الحكومات في الشرق الأوسط الانتباه إليه، ببلورة بعض المداخل الاقتصادية أولا، ثم الأساليب الأمنية والقانونية ثانيًا، للحد من هذه التهديدات الآخذة في التصاعد.
تهديدات متصاعدة:
على الرغم من تمدد المدن والضواحي وانتشار الطابع الحضري في أغلب دول الإقليم؛ إلا أن التكوينات البدوية التي تقطن المناطق الصحراوية وتعتمد على أنشطة الرعي والترحال لا تزال متواجدة في عددٍ من دول الإقليم، لا سيما في غرب العراق وشبه جزيرة سيناء وصحراء النقب وفي الكويت والعراق وفي المناطق الصحراوية في تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. وفي هذا الإطار يتمتع البدو بعدة خصائص تميزهم عن التكوينات الاجتماعية المشابهة لهم مثل القبائل، وتتمثل أهم هذه الخصائص في الترحال الدائم في إطار ممارسة أنشطة الرعي، ومحدودية العدد والانتشار الجغرافي، والتناثر الديمغرافي، وعدم الانتماء لقبائل كبرى يمكن لمؤسسات الدولة التواصل معها.
ويُمكن اعتبار البدو بمثابة تكوينات محايدة من حيث تأثيرها على الأمن، حيث يؤدي البدو بعض الأدوار ذات التأثير الإيجابي الداعم للأمن والاستقرار في مقابل أدوار أخرى تمثل تهديدًا للأمن الداخلي، وتتمثل أهم هذه التهديدات فيما يلي:
1- الانخراط في الأعمال التهريبية: يُنسب لبعض التكوينات البدوية الانخراط في أنشطة تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر استغلالا لمعرفتهم بالدروب الصحراوية والأودية البعيدة عن سيطرة المؤسسات الأمنية، حيث كشف تقرير نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في مارس 2016 عن قيام بعض الفصائل البدوية بتهريب صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من مخازن السلاح الليبية إلى تشاد، إلا أن بعض الفصائل المسلحة في مدينة “سبها” تمكنت من اعتراض عمليات التهريب ومصادرة الأسلحة، وينطبق الأمر ذاته على عمليات التهريب التي تديرها بعض العصابات التي تضم بعض العناصر البدوية عبر الحدود بين مصر وكلٍّ من قطاع غزة وإسرائيل من جانب وليبيا من جانب آخر.
ولا تقتصر عمليات التهريب على الأسلحة والمخدرات، وإنما تشمل تهريب الوقود المدعم ومنتجات التبغ والسلع المختلفة بعيدًا عن القيود الأمنية والجمركية التي تفرضها دول الإقليم على التدفقات التجارية العابرة للحدود، على غرار عمليات تهريب الوقود المدعم بين تونس والجزائر، وتهريب التبغ والبضائع عبر الحدود المصرية مع ليبيا وقطاع غزة.
2- الإتجار بالبشر: تورطت بعض العناصر المنتمية للبدو الرحل في أنشطة الاتجار بالبشر في إطار شبكات عابرة للحدود، حيث أشار تحقيق نشرته وكالة “رويترز” للأنباء في 27 فبراير 2016 إلى تورط بعض المنتمين للبدو في شبكات تهريب للبشر عابرة للحدود في بعض دول المنطقة، في نشاط تقدر قيمته بما يتراوح بين 3 و6 مليارات دولار وفق وكالة الشرطة الأوروبية “يوروبول”.
3- دعم التنظيمات الإرهابية: يواجه المنتمون للتكوينات البدوية اتهامات بالتورط في بعض الأنشطة الإرهابية أو دعم بعض التنظيمات المتطرفة، وفي هذا الإطار أشار اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية المصري في مارس 2016 إلى أن “عناصر المجموعة التي اغتالت النائب العام السابق المستشار هشام بركات تدربوا على إعداد العبوات على يد عناصر من حركة حماس في قطاع غزة وأشرف على تهريبهم للقطاع مجموعة من بدو سيناء”. وفي السياق ذاته، أشارت تقارير إعلامية إلى أن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) اعتقل في يوليو 2015 ستة أفراد من بدو صحراء النقب بدعوى اعتناق الفكر “الداعشي”، والدعاية لتنظيم “داعش”.
4- الأنشطة الإجرامية: تتعدد الأنشطة الإجرامية التي تُنسب لبعض المنتمين للبدو مثل الاختطاف، حيث قام بعض البدو في فبراير 2016 باختطاف أحد الشبان من ريف السويداء في سوريا للحصول على فدية من عائلته، وهي من الممارسات الشائعة في سوريا. وفي مصر يواجه بعض المنتمين للبدو اتهامات بالقيام بأنشطة إجرامية مثل السرقة وفرض إتاوات على ملاك الأراضي والعقارات في بعض المدن الجديدة.
5- الاختراقات الحدودية: قد يؤدي تنقل البدو وعدم استقرارهم في مكان محدد إلى اختراق حدود دول الجوار، مما يتسبب في توتر العلاقات بين تلك الدول، ففي فبراير 2016 قامت موريتانيا باحتجاز ما يزيد عن 50 من بدو الصحراء المغربية بعد اختراقهم حدودها لممارسة الرعي، وفرض غرامات على البدو الصحراويين الذين يقومون باختراق الحدود الموريتانية، والأمر ذاته ينطبق على البدو الجزائريين الذين يقومون بالرعي في المناطق الصحراوية على الحدود مع تونس.
أسباب متعددة:
في مقابل التداعيات السلبية النابعة من حركة التكوينات البدوية في المناطق الصحراوية الحدودية في دول الإقليم، فإن البدو يقومون بأدوار متعددة داعمة للأمن والاستقرار، على غرار تأمين الحدود، وحراسة المنشآت الحيوية، والتصدي للتنظيمات الإرهابية في المناطق التي يتركزون بها، ومن ثم ترتبط التهديدات الأمنية سالفة الذكر بعدة عوامل يتمثل أهمها فيما يلي:
undefined
1- إشكاليات المواطنة: يُعاني البدو الرحل في عدد كبير من دول الإقليم من سياسات ممتدة من التهميش والاستبعاد تصل إلى حد عدم الاعتراف بتمتعهم بحقوق المواطنة في بعض الدول مثل الكويت التي تندرج بعض العناصر البدوية بها ضمن فئة “البدون” التي تواجه إشكاليات في التمتع بجنسية الدولة، في مقابل الإشكاليات التي يواجهها البدو في تونس والجزائر نتيجة عدم امتلاكهم أي وثائق للهوية الشخصية أو وثائق لملكية الأراضي التي يتمركزون بها نتيجة انعزالهم عن العمران.
2- التهميش الاجتماعي: يُواجه البدو في المناطق الصحراوية ببعض دول الإقليم ترديًا في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية نتيجة عدم اعتراف تلك الدول بوجودهم، وتركيزها على التفاعل مع القبائل ذات البنيان المتماسك كبيرة العدد مقارنة بالتكوينات البدوية المتناثرة وغير المنتمية لقبائل محددة، وهو ما يزيد من معاناة البدو في الحصول على الخدمات الصحية وإمدادات المياه والوقود والمواد الغذائية المدعمة، على نحو قد يدفع بعضهم للانخراط في بعض الأنشطة الإجرامية لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
3- الاستهداف المؤسسي: يتعرض البدو في بعض دول الإقليم لسياسات استهداف مباشر من جانب أجهزة الدولة بغرض إجبارهم على الرحيل من المناطق التي يتمركزون بها، سواء إلى داخل المدن أو خارج الدولة، على غرار سياسات هدم منازل البدو وتدمير المدارس وتجريف الأراضي والمراعي الخاصة بهم التي تتبعها إسرائيل في مواجهة بدو النقب والتي بلغت أوجها في مارس 2016 حينما شرعت إسرائيل في هدم منازل وقرى البدو غير المعترف بهم والتي اعتبرتها السلطات الإسرائيلية تعديًا على أملاك الدولة، مما دفعهم للإقامة في بعض المناطق غير المؤهلة للسكن، مثل مناطق تجميع القمامة في مكب نفايات “دوديام”. وفي السياق ذاته قامت السلطات الأمنية في موريتانيا بوضع قيود على حركة البدو العابرة للحدود، وفرض رسوم وغرامات على البدو، وهو ما يمثل تحولا في سياسات موريتانيا تجاه التدفقات البدوية عبر الحدود لممارسة أنشطة الرعي.
4- نزاعات الملكية: تثير الحركة الدائمة للبدو الرحل الذين يعتمدون على الرعي صدامات متعددة مع التكوينات الاجتماعية المختلفة بسبب اختراقهم في بعض الأحيان مناطق رعي داخل حدود دول أخرى، أو الرعي في بعض الأراضي الزراعية المملوكة للقبائل أو المواطنين، وهو ما يؤدي لنشوب نزاعات الملكية التي قد تتسبب في حدوث صدامات مسلحة في بعض الأحيان بين البدو والمزارعين ومؤسسات الدولة، وهو ما يزيد من حالة الاغتراب والانفصال عن الدولة التي يعاني منها البدو، خاصة في ظل عدم اعتراف مؤسسات الدولة بامتلاكهم للأراضي التي يتمركزون عليها لسنوات.
وفي المجمل، يمكن القول إن التعامل مع البدو يتطلب الاعتراف بنمط حياتهم وخصوصيتهم الثقافية من جانب الدولة، والسعي لإيجاد أطر قانونية مرنة لتنظيمه من خلال منحهم وثائق للهوية، وتحديد مناطق موسمية للرعي، وتقديم الخدمات التعليمية والصحية والمواد الغذائية لهم في مناطق تمركزهم، وتأسيس قرى لإقامتهم في المناطق الحدودية بحيث تسبق السياسات التنموية الإجراءات الأمنية الساعية للتصدي للتهديدات والأنشطة الإجرامية والإرهابية لبعض العناصر المنتمية للبدو.
Este contenido también está disponible en español