نزيهة سعيد
الأحد 3 مايو 2020 م
اتخذت التحدي طريقاً لها للنجاح، فقد كانت تلاحق أحلامها رغم تشكيك البعض في قدراتها أو عدم أهمية ما تقوم به، وكذلك لما يعتقد البعض بعدم ملائمة ما تقوم به مع العادات والتقاليد. من هنا استطاعت المصورة السعودية – الأمريكية، تسنيم السلطان، أن تصل للعالمية، وأن تنقل صورة المرأة السعودية في أحيان كثيرة، والمرأة الخليجية بشكل عام، من الصورة التقليدية إلى تلك التي تتحدى وتسعى وتعمل وكذلك تواكب التطورات، وبالطبع تحب وتحتفل.

ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1985، لوالدين سعودييّن كانا هناك لإكمال دراساتهما العليا، ثم عاشت في بريطانيا لفترة من الزمن للسبب نفسه، قبل أن تعود للسعودية مسقط رأسها، لتحمل أولى آلات التصوير الخاصة بها بعمر التسع سنوات، وتعشق الصور العفوية، ولفتت انتباهها، كطفلة وُلِدت لوالدين سعوديين في الغربة، أسئلة الهوية.

قاد حب التصوير تسنيم، التي تحدثت لرصيف22 عن مسيرتها العملية وما الذي يلهمها، وعن حياتها كامرأة سعودية أمريكية، لتصوير حفلات الزفاف: «بدأت تصوير حفلات الزفاف منذ 2010، وهي مهمة ليست بالسهلة، لأنني أحب التصوير العفوي، ونحن في الخليج لسنا معتادين على ذلك، وإلى جانب الحفاظ على أهمية هذا اليوم للعريس والعروس، تلفت انتباهي القصص الأخرى، الصور العفوية كنظرة الجدة لحفيدتها، نظرة الأطفال للحلويات، العاملين في قاعة الحفل، وعليّ أن أنبش عن المتعة والقصص المختلفة في كل حفلة عن الأخرى».

بدأت السلطان التصوير الصحفي، عندما بدأت تساهم مع منصةEveryday Middle East التي تنشر صوراً من الحياة اليومية الاعتيادية، وهو الأمر الذي اعتبرته هي «أمراً عظيماً بالنسبة لي»، ثم حصلت على منحة للدراسة والإرشاد من البرنامج العربي للتوثيق الفوتوغرافي «آفاق» لمدة 6 شهور: «كان مشروعي هو كسر الصورة النمطية عن النساء السعوديات عبر صور حفلات الزفاف».

تلاحق أحلامها رغم تشكيك البعض في قدراتها، وكذلك لما يعتقد البعض بعدم ملائمة ما تقوم به مع العادات والتقاليد. من هنا استطاعت المصورة السعودية – الأمريكية، تسنيم السلطان، أن تصل للعالمية، وأن تنقل صورة المرأة السعودية في أحيان كثيرة، والمرأة الخليجية بشكل عام، من الصورة التقليدية إلى تلك التي تتحدى وتسعى وتعمل وكذلك تواكب التطورات، وبالطبع تحب وتحتفل
نظرة دونية
ما الذي أعطتك الغربة؟ ترد السلطان: «بحكم إنني ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية، فأنها أعطتني الجنسية الأمريكية، كما سمحت لي أن أتعلم اللغة الإنجليزية بطلاقة وأن أعيش في الخارج، وأتعرف على مجالات التصوير هناك، فبالنسبة لهم، التصوير أمر طبيعي وعفوي، أما في الخليج فأغلبية التصوير، في تلك الفترة على الأقل، كانت في استوديوهات وفوتوشوب وزيادة في اصطناع التعبيرات والحركات».

درست السلطان بكالوريوس لغة وأدب إنجليزي في السعودية، ثم أكملت دراسة الماجستير في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، اللغوية الاجتماعية في جامعة ولاية بورتلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، وكتبت رسالة الماجستير عن «النظرة الأثنوغرافية للمرأة السعودية التي تعيش في الولايات المتحدة».

وتواصل تسنيم: «عندما بدأت التصوير، كان تعليق الناس دائماً على صوري (تعرف تصور زي الأجانب) باللهجة السعودية، وهذا الأمر كان يغيظني، فإذا أراد الناس أن يصفوك بالحرفية وإبداء إعجابهم بعملك يشبهونك بالأجانب! وكأنهم يقولون لي بأن أسلوبي في التصوير لا يمكن أن يكون ناجحاً إلا إذا كان أجنبياً، وذلك للنظرة الدونية لأنفسنا كعرب».

وتقول السلطان: «منذ أن كنت أدرس الماجستير، كان مهماً بالنسبة لي البحث في موضوعات مثل تمثيل النفس، الهوية، الحجاب، تفهم الثقافة، خصوصاً إنني شخص من ثقافة ثالثة، حيث أنني ولدت في الولايات المتحدة وأحمل الجنسية الأمريكية، ولكن ذلك لا يعني أنني أمريكية فقط، أو أني أمريكية أكثر من كوني عربية، لذلك فإن الحديث والبحث في موضوع الهوية هو أمر مهم بالنسبة لي، وكيف أحياناً الدين والتقاليد أهم من الشكل والشخصية والجنسية، وهي موضوعات أناقشها مع زملائي السعوديين والعرب والأجانب».

وتتساءل السلطان: «ظلت الأسئلة تلاحقني، فبعد تخرجي لم أحصل على عمل في السعودية، لأنه لا يمكن أن أكون محاضرة في اللغة الإنجليزية وأنا سعودية، فهم يريدون توظيف شخص تكون الإنجليزية لغته الأم، وهو أمر أزعجني، وعاودت الأسئلة للظهور مجدداً: من الذي يقرر من نحن، هل هي الوثائق؟ الجنسية؟ الأصل؟ الحمض النووي؟».

وبسبب كونها خليجية (سعودية) وتحمل الجنسية الأمريكية، حصلت على وظيفة محاضرة في إحدى الجامعات الخاصة في البحرين، وبقيت هناك عاماً ونصف، حتى غادرت في كانون الثاني/ يناير 2011 إلى الإمارات العربية المتحدة.

وتشير السلطان إنها خلال هذه التجربة أحبت التصوير أكثر، وبدأت بتصوير كل شيء وقلّ حبها للتدريس، كما إنها فهمت بأنها عندما تكون خلف الكاميرا فأنها في موقع قوة.

وعن اختيارها لموضوعات القصص الصحافية التي تصورها، شرحت السلطان: «كانت والدتي في زيارة للمحكمة الشرعية لاستصدار وثيقة ما، وبعد خروجها من المحكمة اتصلت بي، ونصحتني بالذهاب لغرفة الانتظار في المحكمة الشرعية فهناك الكثير من القصص التي يجب توثيقها والكتابة عنها، منها قصص السيدات اللواتي يعانين مع أزواجهن وبعضهن مع أولادهن، فكان الأمر مثيراً للانتباه بالنسبة لي، فقد أصبحت والدتي اليوم منتبهة للقصص التي تحدث حولنا والتي تستحق التغطية، فأنا أجد قصصاً في كل مكان، علينا الانتباه والملاحظة والتركيز لاقتناص القصص».

الانتقال للعالمية
أخبرت تسنيم رصيف22 عن عرضها الأول للعمل كمصورة صحافية من ناشيونال جيوغرافيك، لتغطية مشاركة النساء في الانتخابات البلدية للمرة الأولى في السعودية في 2016: «رفضت لأنني اعتقدت أن القصة غير مهمة، فلو فازت المرأة لتكون عضواً في المجالس البلدية، فستستطيع اختيار لون الإسفلت في الشارع، ولكنها لا تستطيع سياقة السيارة على الشارع نفسه!».

«هناك فقر في التصوير الصحفي في الخليج، ولدينا قصص مهمة يجب توثيقها قبل أن تنتهي وتختفي».
عندها راجعت ناشيونال جيوغرافيك العرض، وطلبوا منها تغطية الانتخابات بطريقتها الخاصة، «وهذا ما أعجبني، فقد كانت فرصة أعطتني الصوت لقول ما يحدث على أرض الواقع، ونقلت ما كان يحدث… شخصياً انبهرت بالسيدات اللواتي شاركن في الانتخابات كمرشحات، فمعظمهن في الخمسينيات والستينيات من العمر، ومعظمهن متقاعدات، وكن يعلمن أن هذه خطوة صغيرة ولكنها مهمة للإثبات للرجال بأننا نستطيع أن نشغل هذا المنصب، وأننا نقوم بذلك من أجل الأجيال المقبلة لتحقيق المزيد، فكانت تجربة جميلة وتعلمت شيئاً عن نفسي ومحيطي».
في نيسان/ أبريل 2016، تم اختيار تسنيم من قبلBritish Journal Photography من بين أفضل 16 مصوراً ناشئاً، كما انضمت في العام ذاته إلى «راوية»، وهي أول مجموعة تصوير فوتوغرافي للنساء من الشرق الأوسط، وفاز مشروعها «حكايات الحب السعودية» بالجائزة الأولى في فئة القضايا المعاصرة «احترافية» في جوائز سوني العالمية للتصوير الفوتوغرافي 2017، وفي العام 2019 حازت على جائزة جامعة الأميرة نورة للتميز في فئة الفنون.

لحظات تاريخية
رغم أن التصوير «ليس كافياً مادياً ولكنه كاف معنويٍاً» بالنسبة للسلطان، فأنها تحب عملها وتعتبره مهماً للغاية: «هناك فقر في التصوير الصحفي في الخليج، ولدينا قصص مهمة يجب توثيقها قبل أن تنتهي وتختفي، فصور السيدات في السعودية عندما كن لا يستطعن قيادة السيارة وبعد السماح لهن بالسياقة، هذه لحظات تاريخية».

وعما إذا كانت تواجهها أي صعوبات كونها امرأة خلال عملها، قالت تسنيم: «لأنني امرأة، فأن لديّ قدرة على الدخول إلى أماكن كثيرة أكثر من الرجال، فالناس تفتح بيوتها لي، كما تسمح النساء لي بتصويرهن، وقد لا يسمحن للرجال».

وعما يميزها كمصورة سعودية، قالت السلطان: «عادة، المصورون الأجانب عندما يأتون للشرق الأوسط وأفريقيا، فأن همهم أن تُظهر الصورُ الفقرَ وعدم وجود حقوق إنسان والتخلف، وهذا أمر لا يعجبني، فأنا أعتمد مبدأ بأن أصور الأشخاص بحيث يكونون فخورين بهذه الصورة عندما تُنشر، فأنا ضد إظهار ضعف الناس وعجزهم، وأبحث عما يجمعنا كأشخاص وما يميز كل شخص».

وعن التغيرات الاجتماعية في المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة، قالت تسنيم: «كانت متابعة هذه التطورات أولاً بأول بالنسبة لي أمراً ممتعاً، دخول المرأة ملعب كرة القدم لأول مرة، إقامة الحفلات الموسيقية الكبرى للرجال فقط، ومن بعدها للجميع، إقامة مباريات كرة السلة للنساء، افتتاح السينما، لحظة الإعلان عن السماح للمرأة بقيادة السيارة، كانت لحظة تاريخية، كل هذه الأشياء التي أصبحت اليوم طبيعية وعادية ولا أحد يستغربها، كانت قبل عام ونصف خيالاً مستحيلاً، الكثير من الأشياء حدثت في وقت قصير، كان قلبي يرقص فرحاً وأغالب الدموع أحياناً، كنت متأثرة لأن تصوير هذه الأحداث يمنحني الفرصة ليكون لدي هذا الأرشيف المهم».

وترى السلطان إنه بعد هذه التغيرات التي حدثت في المملكة، «نستطيع أن نقول الآن إنه لدينا كنساء حقوق أساسية، ففي السابق كانت هناك عوائق سياسية، تقليدية ودينية، تفرق في التعامل بين المرأة والرجل، والآن بقيت العوائق التقليدية في بعض الأمور التي يجب أن يوافق عليها المجتمع، فهناك العديد من التغيرات التي حدثت بسرعة وفُرضت على التقليديين، فتنازلوا عن معارضتهم».

وتضيف: «رغم أن هناك تغيرات حدثت في المدن الكبيرة فقط وليس في القرى، مثلاً كعدم لبس المرأة للعباءة السوداء، فاليوم القانون يسمح بأن تخرج المرأة بدون عباءة ولكن بلباس محتشم، التغيرات تحدث شيئاً فشيئاً وتؤثر في الناس بشكل تدريجي، وتنتقل من المدن إلى القرى ومن الطبقات العليا للطبقات الدنيا، بالنسبة لي هذه التغيرات مهمة ومحسوسة وتتحول يوماً بعد يوم إلى أمور طبيعية في حياتنا اليومية، كما إنها تجعلنا كنساء سعوديات لا نحس بأننا نختلف عن قريناتنا الخليجيات في الحقوق».

«عندما بدأت التصوير، كان تعليق الناس دائماً على صوري (تعرف تصور زي الأجانب)، وهذا الأمر كان يغيظني، فإذا أراد الناس أن يصفوك بالحرفية وإبداء إعجابهم بعملك يشبهونك بالأجانب! وكأنهم يقولون لي بأن أسلوبي في التصوير لا يمكن أن يكون ناجحاً إلا إذا كان أجنبياً، وذلك للنظرة الدونية لأنفسنا كعرب»… المصورة السعودية الأمريكية، تسنيم السلطان، في حوار لرصيف22
الإصرار
وتعتقد السلطان أن الفئات المهمشة عادة عندما يتم تحدي قدرتها على القيام بالعمل فإنها تبدع فيه: «هذا ما حصل معي، فقد كنت أتحدى الأشخاص الذين سخروا من عملي في التصوير، عبر وصولي إلى العالمية، وتغطية العديد من الأحداث وحفلات الزواج حول العالم، كما فزت بالعديد من الجوائز، ودعيت للحديث عن تجربتي ومشاريعي الفوتوغرافية في بلدان مختلفة في العالم، فنحن النساء بشكل خاص نحاول المستحيل لنحقق ما يشكك المجتمع في قدرتنا على القيام به، لنثبت للعالم ولأنفسنا إننا قادرات، وقد لمست هذا الأمر عن قرب في النساء السعوديات، وأنا متأكدة بأن النساء حول العالم يقمن بذلك أيضاً، يتحدين ويحققن النجاحات تلو النجاحات».

واعترفت السلطان: «والداي دعماني، فهما من كانا يهتمان ببناتي عندما أسافر أو يكون لدي مهمة صحافية، وكان والدي في الكثير من الأوقات يوصلني لمهامي الصحفية أو المطار للسفر، قبل السماح للنساء بالقيادة، فتشجيعهما لي مادي ومعنوي، وهو أمر مهم للغاية لأنهما سندي وظهري».

ومن أكثر القصص التي أثرت في السلطان لدى قيامها بعملها، قصة أم طاهر التي قُتل ولداها في هجوم لتنظيم الدولة الإسلامية على أحد المساجد، فقتلا وهما يحميان 600 مصل داخل المسجد: «قالت لي بأنها مستعدة للتضحية ببقية أولادها إذا هذه هي نهاية داعش ونهاية التفرقة بين السنة والشيعة، فأعتبرها أهم قصة غطيتها في حياتي، فأنا أعتبر هذه المرأة بطلة وقبلت أن تظهر في الإعلام وتشارك الناس ألمها وحزنها».

Entradas recomendadas

Aún no hay comentarios, ¡añada su voz abajo!


Añadir un comentario

Tu dirección de correo electrónico no será publicada. Los campos obligatorios están marcados con *